الفصل الأول
مصطلحات لغوية
1- الوسيلة
الوسيلة في اللغة: المنزلة عند الملك , والوسيلة:-الدرجة , والوسيلة:-القربة , وَسَلَ فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إلى الله , والواسل:- الراغب إلى الله
ويقال توسل إليه بوسله إذا تقرب إليه بعمل ,وتوسل إليه بكذا أي تقرب إليه بحرمه آصرة تعطفه عليه
إذاً الوسيلة:- الوصلة والقربى وجمعها الوسائل
( لسان العرب لابن منظور ج 11 ص 724 مادة< وسل>)
2- الدعاء
لخص أبو البقاء المعاني المتعددة للدعاء مستشهدا بآيات القرآن الكريم قال :
" والدعاء : الرغبة إلى الله والعبادة نحو ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرّك ) ، والاستعانة نحو ( وَادْعُوا شُهَدَاءكُم ) ، والسؤال نحو ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، والقول نحو ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ) ، والنداء نحو ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ) ، التسمية نحو ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا )
أبو البقاء الكليات ص 447
قال ابن منظور:
"دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه. والاسم: الدعوة. ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته -
لسان العرب مادة (د ع و).
وانظر ايضا : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصبهاني
(ص315-316)
والدعاء شرعا:- أقصى نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب فالعبادة لا تطلق إلا على العمل الدال علي الخضوع المتقرب به لمن يعظمه باعتقاده تأثير في النفع والضر وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود.
قال الخطابي:
(معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه" - شأن الدعاء)
شأن الدعاء للخطابي ص4
قال الزبيدي صاحب تاج العروس
( الدعاء ليس إلا إظهار غاية التّذلّل والافتقار)
إتحاف السادة المتقين 5/4
قال الحافظ ابن حجر:
«الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95].
3-الاستغاثة
الاستغاثة لغة : طلب الغوث والنصر هي طلب العبد الإغاثة والمعونة ممن يسعفه ويدفع عنه عند الوقوع في شدة ونحوها .
وشرعا :تكون طلب العون وتفريج الكروب
قال تعالى { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ .. }[القصص 15]
فالاستغاثة بمعنى طلب التوجه من المستغاث به إلى الله تعالى في قضاء الحاجة إذ ليس لأحد مع الله فعل أو ترك وإنما المستغاث به سبب للشفاعة والدعاء ولقضاء الحاجة.
جاء في المعجم الوسيط
((الاستغاثة ) طلب الغوث و ( عند النحاة ) نداء من يخلص من شدة أو يعين على دفع بلية ويقرن المستغاث به بلام مفتوحة والمستغاث له بلام مكسورة يقال يا لله للمسلمين وقد يجر المستغاث من أجله بمن إذا كان مستنصرا عليه كقوله
( يا للرجال ذوي الألباب من نفر
لا يبرح السفه المردي لهم دينا )
( الغوث ) الإعانة والنصرة ويقال في الشدة تنزل بالمرء فيسأل العون على كشفها واغوثاه)) اهـ
وفي القاموس المحيط
((غَوَّثَ تَغْويثاً : قال : واغَوْثاهُ والاسْمُ : الغَوْثُ والغُواثُ بالضمِّ وفَتْحُهُ شاذٌّ . واسْتَغاثَني فأغَثْتُهُ إغاثَةً ومَغُوثَةً)) اهـ
وفي تاج العروس
((قال شيخُنَا : قالوا : الاسْتغَاثَةُ : طَلبُ الغَوْثِ وهو التَّخْلِيصُ من الشِّدةِ والنِّقْمَةِ والعَوْنُ على الفَكَاكِ من الشّدائِدِ)) اهـ
و الاستغاثة فرع من التوسل فلا فرق بينهما كما سنرى في كلام الائمة
4- الاستعانة:
فهي طلب العون ممن يملكه على وجه الحقيقة وهو الله تبارك وتعالى أو ممن أعطاهم الله بمنه وكرمه القدرة عليها، وهم أنبياءه وأولياؤه.
5- الجاه
الجاه: المنزلة والقَدْرُ عند السلطان.
لسان العرب.. والقاموس المحيط (1/1607)
6- التوجه.
جاء في المعجم الوسيط
(((وجه ) انقاد واتبع يقال قاد فلان فلانا فوجه انقاد واتبع والمولود خرجت يداه من الرحم أولا وإلى الشيء توجه بمعنى ولى وجهه إليه وفي المثل ( أينما أوجه ألق سعدا )
( اتجه ) إليه أقبل بوجهه عليه ( أصله اوتجه )
الوجهة ) الجانب والناحية والموضع الذي تتوجه إليه وتقصده وكل مكان استقبلته والقبل وشبهها ووجهة الأمر وجهه
(2/953\2/954 ) المعجم الوسيط
7- الشفاعة
قال الراغب في المفردات ص 263
الشفاعة : الاِنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه.
8- المدد
ورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد:
((مددنا القوم، أي صرنا لهنا أنصاراً ومدداً.
وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم..
والمدد: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مددا
لسان العرب مادة (م د د ).
وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى:
أمددته بمدد: أعنته وقويته به [2]
المصباح المنير مادة (م د د)
6- التبرك
جاء في لسان العرب
((التبرك لغة: طلب البركة، والبركة هي: النماء والزيادة
مادة برك، انظر لسان العرب: 10/390
قال ابن منظور:
بارك الله الشيء، وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، وطعام بريك كأنّه مبارك
لسان العرب: 10/390
قال الفيومي:
بارك الله تعالى فيه فهو مبارك، والأصل: مبارك فيه
المصباح المنير: 1/45.
والتبرّك في مفهومه الاصطلاحي يراد به طلب البركة عن طريق أشياء أو معان ميّزها الله تعالى بمنازل ومقامات خاصة،أي طلب الحصول على الخير على وجه السبب.
قال الراغب الأصفهاني:
البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: { لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }الأعراف-96، { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ }الأنبياء-50، تنبيها على ما يفيض به من الخيرات الإلهية.
الفصل الثاني
ما أستند إليه المخالفون وتوضيح الإشكال
استند أصحاب هذا الرأي الشاذ إلى آيات الكتاب الحكيم وبعض الأحاديث وسنعرضها جميعا بإذن الله تعالى ونورد الأدلة على قصور الفهم الذي أدى إلى هذ الإشكال
اولاً:- الإشكالات في فهم الآيات من الكتاب الحكيم.
1- قول الله تعالى : (لاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
سورة يونس 106\107
2- وقوله تعالى: (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
العنكبوت : 17.
3- وقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين))
سورة الأحقاف : 5\6.
٤- قال تعالى (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ))
سورة الجن ، آية : ١٨
إن استدلال المخالف باطل فهذه الآيات نزلت في المشركين ولا تنطبق على أهل التوسل بالنبي وبالصالحين ولا تقربهم لاختلاف الحال كلياً
وكما ذكر البخاري عن قول ابن عمر رضي الله عنهما
في الخوارج يقول البخاري:
«وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقد قال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين».
ومما استند إليه القوم أنهم قالوا إن العبرة في الآيات هي عموم اللفظ وليس في خصوص السبب وهذا قول حق أريد به باطل فلا أحد ينكر عموم اللفظ ولكن المستدعي للنظر والفهم أن هذه الآيات لا تشمل المسلمين لاختلاف حالهم عن حال الكفار جملاً وتفصيلاً فالدعاء في هذه الآيات بمعني العبادة لأصنامهم والمتوسلون يدعون الله الواحد الأحد والكفار يدعون آلهتهم من دون الله فأحوال الكفار في من نزلت فيهم الآيات لا يرتبط بأي صلة تشير إلى أهل القبلة من المسلمين!!!!
فشتان بين يدعوا الله متوسلا بجاه نبيه وصالحيه وبين من يدعوا غير الله فكيف يعمم الحكم على أمه الإسلام؟؟
فرق شاسع بين ما يقول يا رب أعطني كذا بحق فلان..
وبين من يقول اُعْلُ هُبَل..خذلني آلات ويعتقد أنهم آلهة من دون الله.!
ولكنا نجد أهل الفتنة يشرقون ويغربون ويقولون هذا ما قاله الكفار
{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }
ونحو قوله تعالى
{ فلا تدعوا مع الله أحداً}
ولكنهم قد تناسوا أن هذه الآيات قد جعلت في أهل الشرك وما من موحدا متوسلاً يعبد نبي أو ولي..!!
فكل آية تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار وهو العبادة للأوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله.
وسيتضح ذلك من أوجه عديدة
الوجه الأول:- فالمشركون جعلوا أصنامهم آلهة تعبد والمسلمون ما اعتقدوا في إله غير الله وما عبدوا غير الرحمن فليس لنا غير إله واحد الله جل جلاله ويظهر جليا الفرق بين المسلمين وبين عباد الأصنام وغيرهم في قول الله تعالى في الكفار
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : ٨١-
الوجه الثاني:- الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام عند المسلمين هم أنبياء معصومون بشر لهم خواص خاصة من الله بها عليهم وأعطاهم ما لم يعطه لبشر وليسوا آلهة تعبد من دون الله ومن قال بذلك فقد كفر
الوجه الثالث:- الأولياء هم أولياء محفظون وصلوا إلى رتبة الولاية بالعمل الصالح وعبادة رب العباد وليسوا آلهة تعبد وإلا كان الأولى أنبياء الله تعالى عليه الصلاة والسلام
الوجه الرابع:- ورد في الآيات أن الكفار وجدوا ضالتهم في عبادة هذه الأصنام فاستحقت العبادة بالنسبة لهم وعبدوها بالفعل كما في قوله تعالى (وما نعبدهم إلا ليقربونا)
أما المسلمون فلا إله لهم غير الله تعالى ولا يستحق العبادة غيره سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم وما عبدوا غيره جل جلاله.
الوجه الخامس:- أن المشركون عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم وزعموا أن ذلك ليقربوهم إلى الله فهم قد اتخذوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم آلهة من دون الله والإله هو المستحق للعبادة
والمسلمون عبدوا الله وحده ولم يعبدوا غيره ولم يعتقدوا في غيره سبحانه وتعالى وتوسلوا بالأنبياء والصالحين رجاء تحقيق مطالبهم من الواحد القهار
فدعاء المشركين دعاء آلوهية وتعبد
ودعاء المسلمين توسل واستشفاع فشتان بين الاثنين فكيف يعمم أهل الجهل القول علي المسلمين؟
وقول المعترض
وقوله تعالى في الآية الكريمة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى))
فالاستدلال بالآية في غير محله وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى فكما وضحنا في الاوجه السابقة أن أهل الشرك عبدوا أصنامهم والآية بدأت بقوله تعالى ما نعبدهم أي عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم فكان قولهم فاسد أن هذا للتقريب لان دعاءهم دعاء آلوهية وتعبد.
فكانت الآية لإظهار أن علل عباد الأوثان والأصنام التي عللوا بها عبادة الأصنام إنما هي عله فاسدة وجاءت الآية من باب التنبيه على ضلالتهم وهذا ما ذكر في أكثر من آية في الكتاب الحكيم أنهم خضعوا لها وعبدوها من دون الله تعالى
فلما أقيمت عليهم الحجة بأنها لا تنفع ولا تضر قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
وهذا من جحدهم بآيات الله تعالى
ومن كذبهم الذي أظهره الله في أكثر من موضع في الكتاب الحكيم
وهذا ما لا ينطبق على أهل الإسلام..
وهذا واضح وصريح في جميع الآيات من أن الكفار قد عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وجعلوهم آلهة تنفع وتضر وترزق فأضافوا إليهم صفات الألوهية ونسبوا إليهم القدرة استقلالاً
فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها
و هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام فلم يعبدوا غيره وقد نهى الله المسلمين من سب أصنامهم
بقوله تعالى : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال :
(( كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عز وجل ، فأنزل الله : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هذا سبب نزول هذه الآية .
فهي إذن تنهى المؤمنين نهي تحريم شديد أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة لأن قول تلك الكلمة يتسبب عنه غضب أولئك الوثنيين غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونه وهو رب العالمين ويرمونه بالنقائص وهو المنزه عن كل نقص ولو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبوه انتقاماً ممن يسبون آلهتهم فإن ذلك واضح جداً في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة .
وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى :
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )
فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق لكانت عبادتهم لله وحده دونها أو لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الحجارة وهل هذا يتفق مع شتمهم له عز وجل غيرة على حجارتهم وانتقاماً لها منه سبحانه وتعالى ؟ إن البداهة تحكم أنه لا يتفق أبداً وليست الآية التي معنا وحدها تدل على أن الله تعالى أقل عند أولئك المشركين من حجارتهم بل لها أمثال منها قوله تعالى:
(وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)
فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله : (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ).
ومن هذا القبيل قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : ((اُعْلُ هُبل)) كما رواه البخاري ينادي صنمهم المسمى بهُبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم ، هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين .
وهذا يظهر جلياً في آيات الكتاب الحكيم لمن ألقى السمع وهو شهيد قال تعالى
(وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً) الفرقان 60
قال تعالى
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : 81
قال تعالى
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوء) هود : 54
قال تعالى
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) العنكبوت :17
فهذه الآيات تدل وتصرح بعبادتهم الأوثان من دون الله تعالى فكيف تنطبق هذه الآيات على المتوسل وهو من عبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد!!
قال تعالى
(ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)
الزمر : 36:38
الآية هنا تصرح بأن المشركين يخوفون الرسول بآلهتهم
قال البغوي في تفسير الآية : " ... وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ... " وذلك أنهم خوفوا النبي معرة معاداة الأوثان
وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون
تفسير البغوي ج4 ص 69
قال تعالى :-
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) يونس1
قال تعالى :-
(أَفَرَأَيْتُمُ اَللَّات وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ اَلْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ اَلْأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) النجم : 19:23
قال تعالى :-
" وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ "البقرة : 116
فإن جميع هذه الآيات تدل وبصراحة على أن شرك المشركين كان في دعاء الآلهة التي عبدوها من دون الله وهل هناك حاجة لأدلة أصرح من هذه الآيات؟
وقولهم لقربونا إلي الله زلفي أو أن الله هو الخالق هو من الكذب كما وضحنا فالمشركين أقروا بألسنتهم فقط ولم يكن هذا إيمان فهم كاذبون أفاكون.
اتعلمون كيف يكونوا هؤلاء كذابون أفاكون ؟
انظر إلى قول الله تعالى
قال الله تعالى : * ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) العنكبوت : 61
أتعلم كيف ينطق الكفار بألسنتهم فقط؟؟
قال الله تعالى ( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم ) * التوبة : 8
قال تعالى : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) الزمر : 3
قال القرطبي في التفسير ( 13 / 161 ) : ( أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي)اهــ ونقول هذا معناه : أنهم يقولون ذلك بألسنتهم فقط عند إقامة الحجج عليهم وهم في الحقيقة لا يقولون بذلك
ويظهر هذا في قوله تعالى
قال تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه )
وجاء في الأثر حدثنا عبد الله قال : حدثني أبي ، ثنا محمد بن عبد الله ثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله قال : قرأ ابن الزبير آية فوقف عندها أسهرته حتى أصبح ، فلما أصبح قال : من حبر هذه الأمة ؟ قال : قلت : ابن عباس ، فبعثني إليه فدعوته ، فقال له : إني قرأت آية كنت لا أقف عندها ، وإني وقفت الليل عندها فأسهرتني ، حتى أصبحت ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فقال ابن عباس « لا تسهرك فإنا لم نعن بها ، إنما عني بها أهل الكتاب ،
( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )، وهو
( الذي بيده ملكوت كل شيء ) ، ( وهو يجير ولا يجار عليه ) (سيقولون الله فهم يؤمنون ههنا وهم يشركون بالله )
فضائل الصحابة احمد بن حنبل 3\334
مختصر قيام الليل للمروزي، ص 149)
وذكر مختصرا في تفسير الإمام الطبري.
إذاً فكلُّ آيةٍ تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار
والقول أن الكفار كانوا موحدين توحيد ربوبية هو من الجهل الفظيع
هل هؤلاء الكفار في الآيات التي سردناها موحدين أم مشركين ؟
فإما أن يقول المعترض بأنهم مشركون أم يقول البعض بأنهم موحدون لأن الذي نعرفهُ وندين الله تعالى به هو أن الناس ينقسمون إلى قسمين إما كُفار وأما موحد
وقول البعض بأن هناك من هو موحد توحيد
ألوهية وليس موحد توحيد ربوبية أو العكس يقتضي وجود منزلة بين المنزلتين .
ونحنُ لا نعرف إلا موحد أو مشرك
ثم يا من قسمتم التوحيد ألى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات!
أليس التوحيد من أعظم المهمات التي بعث بها نبينا محمد وسائر الأنبياء؟؟؟
إذاً لماذا لم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام ( ايها الناس أعلموا أن التوحيد ينقسم إلى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات ) ؟
أنا أجيبكم على ذلك
لأنه سَرَابٌ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً
ثم هل ورد في حديث من الأحاديث أن الرجل إذا وضع في قبره يسألهُ الملكان ( هل كُنت موحد توحيد ألوهية أم كنت موحد توحيد ربوبية ؟)
ثم هل من قال فيهم سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: من الآية5)
( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )(البقرة: من الآية61)
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (آل عمران: من الآية4)
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (آل عمران:70)
)َضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) (آل عمران: من الآية112)
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ) (النساء: من الآية155)
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ)(لأنفال: من الآية52)
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (يونس:95)
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل:104)
(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم:10)
(كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (غافر:63)
(وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام: من الآية33)
والظالمين المراد به هنا هم الكافرين
فالخلق والإنعام والإيجاد والرزق ووو كلها من آيات الله , فوصف الله الكفار بأنهم جاحدون أي كافرون بآيات الله
( توحيد الربوبية على زعمكم )
فهل من يكفر بآيات الله يعترف بالله لا رب سواه؟ ؟
مالكم كيف تحكمون
ثم أين العقول يا أصحاب العقول؟
ما معنى كلمة ( موحد ) ؟ فهي في مفهومكم مُتجزئ إلى ثلاثة ؟؟
وكذلك نص جميع أهل التفسير بلا استثنا في التفاسير من أقوال الكفار هذا ابن الله شريك الله وغيرها.
فالمشركون كانوا يعبدون الآوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فوسيلة الشئ غيره.
ومما جاء على سبيل المثال في تفسير الطبري
عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله:
{ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى }
قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز.) لهـ
مصطلحات لغوية
1- الوسيلة
الوسيلة في اللغة: المنزلة عند الملك , والوسيلة:-الدرجة , والوسيلة:-القربة , وَسَلَ فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إلى الله , والواسل:- الراغب إلى الله
ويقال توسل إليه بوسله إذا تقرب إليه بعمل ,وتوسل إليه بكذا أي تقرب إليه بحرمه آصرة تعطفه عليه
إذاً الوسيلة:- الوصلة والقربى وجمعها الوسائل
( لسان العرب لابن منظور ج 11 ص 724 مادة< وسل>)
2- الدعاء
لخص أبو البقاء المعاني المتعددة للدعاء مستشهدا بآيات القرآن الكريم قال :
" والدعاء : الرغبة إلى الله والعبادة نحو ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرّك ) ، والاستعانة نحو ( وَادْعُوا شُهَدَاءكُم ) ، والسؤال نحو ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، والقول نحو ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ) ، والنداء نحو ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ) ، التسمية نحو ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا )
أبو البقاء الكليات ص 447
قال ابن منظور:
"دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه. والاسم: الدعوة. ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته -
لسان العرب مادة (د ع و).
وانظر ايضا : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصبهاني
(ص315-316)
والدعاء شرعا:- أقصى نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب فالعبادة لا تطلق إلا على العمل الدال علي الخضوع المتقرب به لمن يعظمه باعتقاده تأثير في النفع والضر وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود.
قال الخطابي:
(معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه" - شأن الدعاء)
شأن الدعاء للخطابي ص4
قال الزبيدي صاحب تاج العروس
( الدعاء ليس إلا إظهار غاية التّذلّل والافتقار)
إتحاف السادة المتقين 5/4
قال الحافظ ابن حجر:
«الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95].
3-الاستغاثة
الاستغاثة لغة : طلب الغوث والنصر هي طلب العبد الإغاثة والمعونة ممن يسعفه ويدفع عنه عند الوقوع في شدة ونحوها .
وشرعا :تكون طلب العون وتفريج الكروب
قال تعالى { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ .. }[القصص 15]
فالاستغاثة بمعنى طلب التوجه من المستغاث به إلى الله تعالى في قضاء الحاجة إذ ليس لأحد مع الله فعل أو ترك وإنما المستغاث به سبب للشفاعة والدعاء ولقضاء الحاجة.
جاء في المعجم الوسيط
((الاستغاثة ) طلب الغوث و ( عند النحاة ) نداء من يخلص من شدة أو يعين على دفع بلية ويقرن المستغاث به بلام مفتوحة والمستغاث له بلام مكسورة يقال يا لله للمسلمين وقد يجر المستغاث من أجله بمن إذا كان مستنصرا عليه كقوله
( يا للرجال ذوي الألباب من نفر
لا يبرح السفه المردي لهم دينا )
( الغوث ) الإعانة والنصرة ويقال في الشدة تنزل بالمرء فيسأل العون على كشفها واغوثاه)) اهـ
وفي القاموس المحيط
((غَوَّثَ تَغْويثاً : قال : واغَوْثاهُ والاسْمُ : الغَوْثُ والغُواثُ بالضمِّ وفَتْحُهُ شاذٌّ . واسْتَغاثَني فأغَثْتُهُ إغاثَةً ومَغُوثَةً)) اهـ
وفي تاج العروس
((قال شيخُنَا : قالوا : الاسْتغَاثَةُ : طَلبُ الغَوْثِ وهو التَّخْلِيصُ من الشِّدةِ والنِّقْمَةِ والعَوْنُ على الفَكَاكِ من الشّدائِدِ)) اهـ
و الاستغاثة فرع من التوسل فلا فرق بينهما كما سنرى في كلام الائمة
4- الاستعانة:
فهي طلب العون ممن يملكه على وجه الحقيقة وهو الله تبارك وتعالى أو ممن أعطاهم الله بمنه وكرمه القدرة عليها، وهم أنبياءه وأولياؤه.
5- الجاه
الجاه: المنزلة والقَدْرُ عند السلطان.
لسان العرب.. والقاموس المحيط (1/1607)
6- التوجه.
جاء في المعجم الوسيط
(((وجه ) انقاد واتبع يقال قاد فلان فلانا فوجه انقاد واتبع والمولود خرجت يداه من الرحم أولا وإلى الشيء توجه بمعنى ولى وجهه إليه وفي المثل ( أينما أوجه ألق سعدا )
( اتجه ) إليه أقبل بوجهه عليه ( أصله اوتجه )
الوجهة ) الجانب والناحية والموضع الذي تتوجه إليه وتقصده وكل مكان استقبلته والقبل وشبهها ووجهة الأمر وجهه
(2/953\2/954 ) المعجم الوسيط
7- الشفاعة
قال الراغب في المفردات ص 263
الشفاعة : الاِنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه.
8- المدد
ورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد:
((مددنا القوم، أي صرنا لهنا أنصاراً ومدداً.
وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم..
والمدد: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مددا
لسان العرب مادة (م د د ).
وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى:
أمددته بمدد: أعنته وقويته به [2]
المصباح المنير مادة (م د د)
6- التبرك
جاء في لسان العرب
((التبرك لغة: طلب البركة، والبركة هي: النماء والزيادة
مادة برك، انظر لسان العرب: 10/390
قال ابن منظور:
بارك الله الشيء، وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، وطعام بريك كأنّه مبارك
لسان العرب: 10/390
قال الفيومي:
بارك الله تعالى فيه فهو مبارك، والأصل: مبارك فيه
المصباح المنير: 1/45.
والتبرّك في مفهومه الاصطلاحي يراد به طلب البركة عن طريق أشياء أو معان ميّزها الله تعالى بمنازل ومقامات خاصة،أي طلب الحصول على الخير على وجه السبب.
قال الراغب الأصفهاني:
البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: { لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }الأعراف-96، { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ }الأنبياء-50، تنبيها على ما يفيض به من الخيرات الإلهية.
الفصل الثاني
ما أستند إليه المخالفون وتوضيح الإشكال
استند أصحاب هذا الرأي الشاذ إلى آيات الكتاب الحكيم وبعض الأحاديث وسنعرضها جميعا بإذن الله تعالى ونورد الأدلة على قصور الفهم الذي أدى إلى هذ الإشكال
اولاً:- الإشكالات في فهم الآيات من الكتاب الحكيم.
1- قول الله تعالى : (لاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
سورة يونس 106\107
2- وقوله تعالى: (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
العنكبوت : 17.
3- وقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين))
سورة الأحقاف : 5\6.
٤- قال تعالى (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ))
سورة الجن ، آية : ١٨
إن استدلال المخالف باطل فهذه الآيات نزلت في المشركين ولا تنطبق على أهل التوسل بالنبي وبالصالحين ولا تقربهم لاختلاف الحال كلياً
وكما ذكر البخاري عن قول ابن عمر رضي الله عنهما
في الخوارج يقول البخاري:
«وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقد قال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين».
ومما استند إليه القوم أنهم قالوا إن العبرة في الآيات هي عموم اللفظ وليس في خصوص السبب وهذا قول حق أريد به باطل فلا أحد ينكر عموم اللفظ ولكن المستدعي للنظر والفهم أن هذه الآيات لا تشمل المسلمين لاختلاف حالهم عن حال الكفار جملاً وتفصيلاً فالدعاء في هذه الآيات بمعني العبادة لأصنامهم والمتوسلون يدعون الله الواحد الأحد والكفار يدعون آلهتهم من دون الله فأحوال الكفار في من نزلت فيهم الآيات لا يرتبط بأي صلة تشير إلى أهل القبلة من المسلمين!!!!
فشتان بين يدعوا الله متوسلا بجاه نبيه وصالحيه وبين من يدعوا غير الله فكيف يعمم الحكم على أمه الإسلام؟؟
فرق شاسع بين ما يقول يا رب أعطني كذا بحق فلان..
وبين من يقول اُعْلُ هُبَل..خذلني آلات ويعتقد أنهم آلهة من دون الله.!
ولكنا نجد أهل الفتنة يشرقون ويغربون ويقولون هذا ما قاله الكفار
{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }
ونحو قوله تعالى
{ فلا تدعوا مع الله أحداً}
ولكنهم قد تناسوا أن هذه الآيات قد جعلت في أهل الشرك وما من موحدا متوسلاً يعبد نبي أو ولي..!!
فكل آية تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار وهو العبادة للأوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله.
وسيتضح ذلك من أوجه عديدة
الوجه الأول:- فالمشركون جعلوا أصنامهم آلهة تعبد والمسلمون ما اعتقدوا في إله غير الله وما عبدوا غير الرحمن فليس لنا غير إله واحد الله جل جلاله ويظهر جليا الفرق بين المسلمين وبين عباد الأصنام وغيرهم في قول الله تعالى في الكفار
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : ٨١-
الوجه الثاني:- الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام عند المسلمين هم أنبياء معصومون بشر لهم خواص خاصة من الله بها عليهم وأعطاهم ما لم يعطه لبشر وليسوا آلهة تعبد من دون الله ومن قال بذلك فقد كفر
الوجه الثالث:- الأولياء هم أولياء محفظون وصلوا إلى رتبة الولاية بالعمل الصالح وعبادة رب العباد وليسوا آلهة تعبد وإلا كان الأولى أنبياء الله تعالى عليه الصلاة والسلام
الوجه الرابع:- ورد في الآيات أن الكفار وجدوا ضالتهم في عبادة هذه الأصنام فاستحقت العبادة بالنسبة لهم وعبدوها بالفعل كما في قوله تعالى (وما نعبدهم إلا ليقربونا)
أما المسلمون فلا إله لهم غير الله تعالى ولا يستحق العبادة غيره سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم وما عبدوا غيره جل جلاله.
الوجه الخامس:- أن المشركون عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم وزعموا أن ذلك ليقربوهم إلى الله فهم قد اتخذوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم آلهة من دون الله والإله هو المستحق للعبادة
والمسلمون عبدوا الله وحده ولم يعبدوا غيره ولم يعتقدوا في غيره سبحانه وتعالى وتوسلوا بالأنبياء والصالحين رجاء تحقيق مطالبهم من الواحد القهار
فدعاء المشركين دعاء آلوهية وتعبد
ودعاء المسلمين توسل واستشفاع فشتان بين الاثنين فكيف يعمم أهل الجهل القول علي المسلمين؟
وقول المعترض
وقوله تعالى في الآية الكريمة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى))
فالاستدلال بالآية في غير محله وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى فكما وضحنا في الاوجه السابقة أن أهل الشرك عبدوا أصنامهم والآية بدأت بقوله تعالى ما نعبدهم أي عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم فكان قولهم فاسد أن هذا للتقريب لان دعاءهم دعاء آلوهية وتعبد.
فكانت الآية لإظهار أن علل عباد الأوثان والأصنام التي عللوا بها عبادة الأصنام إنما هي عله فاسدة وجاءت الآية من باب التنبيه على ضلالتهم وهذا ما ذكر في أكثر من آية في الكتاب الحكيم أنهم خضعوا لها وعبدوها من دون الله تعالى
فلما أقيمت عليهم الحجة بأنها لا تنفع ولا تضر قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
وهذا من جحدهم بآيات الله تعالى
ومن كذبهم الذي أظهره الله في أكثر من موضع في الكتاب الحكيم
وهذا ما لا ينطبق على أهل الإسلام..
وهذا واضح وصريح في جميع الآيات من أن الكفار قد عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وجعلوهم آلهة تنفع وتضر وترزق فأضافوا إليهم صفات الألوهية ونسبوا إليهم القدرة استقلالاً
فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها
و هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام فلم يعبدوا غيره وقد نهى الله المسلمين من سب أصنامهم
بقوله تعالى : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال :
(( كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عز وجل ، فأنزل الله : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هذا سبب نزول هذه الآية .
فهي إذن تنهى المؤمنين نهي تحريم شديد أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة لأن قول تلك الكلمة يتسبب عنه غضب أولئك الوثنيين غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونه وهو رب العالمين ويرمونه بالنقائص وهو المنزه عن كل نقص ولو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبوه انتقاماً ممن يسبون آلهتهم فإن ذلك واضح جداً في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة .
وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى :
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )
فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق لكانت عبادتهم لله وحده دونها أو لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الحجارة وهل هذا يتفق مع شتمهم له عز وجل غيرة على حجارتهم وانتقاماً لها منه سبحانه وتعالى ؟ إن البداهة تحكم أنه لا يتفق أبداً وليست الآية التي معنا وحدها تدل على أن الله تعالى أقل عند أولئك المشركين من حجارتهم بل لها أمثال منها قوله تعالى:
(وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)
فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله : (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ).
ومن هذا القبيل قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : ((اُعْلُ هُبل)) كما رواه البخاري ينادي صنمهم المسمى بهُبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم ، هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين .
وهذا يظهر جلياً في آيات الكتاب الحكيم لمن ألقى السمع وهو شهيد قال تعالى
(وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً) الفرقان 60
قال تعالى
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : 81
قال تعالى
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوء) هود : 54
قال تعالى
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) العنكبوت :17
فهذه الآيات تدل وتصرح بعبادتهم الأوثان من دون الله تعالى فكيف تنطبق هذه الآيات على المتوسل وهو من عبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد!!
قال تعالى
(ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)
الزمر : 36:38
الآية هنا تصرح بأن المشركين يخوفون الرسول بآلهتهم
قال البغوي في تفسير الآية : " ... وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ... " وذلك أنهم خوفوا النبي معرة معاداة الأوثان
وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون
تفسير البغوي ج4 ص 69
قال تعالى :-
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) يونس1
قال تعالى :-
(أَفَرَأَيْتُمُ اَللَّات وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ اَلْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ اَلْأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) النجم : 19:23
قال تعالى :-
" وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ "البقرة : 116
فإن جميع هذه الآيات تدل وبصراحة على أن شرك المشركين كان في دعاء الآلهة التي عبدوها من دون الله وهل هناك حاجة لأدلة أصرح من هذه الآيات؟
وقولهم لقربونا إلي الله زلفي أو أن الله هو الخالق هو من الكذب كما وضحنا فالمشركين أقروا بألسنتهم فقط ولم يكن هذا إيمان فهم كاذبون أفاكون.
اتعلمون كيف يكونوا هؤلاء كذابون أفاكون ؟
انظر إلى قول الله تعالى
قال الله تعالى : * ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) العنكبوت : 61
أتعلم كيف ينطق الكفار بألسنتهم فقط؟؟
قال الله تعالى ( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم ) * التوبة : 8
قال تعالى : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) الزمر : 3
قال القرطبي في التفسير ( 13 / 161 ) : ( أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي)اهــ ونقول هذا معناه : أنهم يقولون ذلك بألسنتهم فقط عند إقامة الحجج عليهم وهم في الحقيقة لا يقولون بذلك
ويظهر هذا في قوله تعالى
قال تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه )
وجاء في الأثر حدثنا عبد الله قال : حدثني أبي ، ثنا محمد بن عبد الله ثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله قال : قرأ ابن الزبير آية فوقف عندها أسهرته حتى أصبح ، فلما أصبح قال : من حبر هذه الأمة ؟ قال : قلت : ابن عباس ، فبعثني إليه فدعوته ، فقال له : إني قرأت آية كنت لا أقف عندها ، وإني وقفت الليل عندها فأسهرتني ، حتى أصبحت ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فقال ابن عباس « لا تسهرك فإنا لم نعن بها ، إنما عني بها أهل الكتاب ،
( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )، وهو
( الذي بيده ملكوت كل شيء ) ، ( وهو يجير ولا يجار عليه ) (سيقولون الله فهم يؤمنون ههنا وهم يشركون بالله )
فضائل الصحابة احمد بن حنبل 3\334
مختصر قيام الليل للمروزي، ص 149)
وذكر مختصرا في تفسير الإمام الطبري.
إذاً فكلُّ آيةٍ تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار
والقول أن الكفار كانوا موحدين توحيد ربوبية هو من الجهل الفظيع
هل هؤلاء الكفار في الآيات التي سردناها موحدين أم مشركين ؟
فإما أن يقول المعترض بأنهم مشركون أم يقول البعض بأنهم موحدون لأن الذي نعرفهُ وندين الله تعالى به هو أن الناس ينقسمون إلى قسمين إما كُفار وأما موحد
وقول البعض بأن هناك من هو موحد توحيد
ألوهية وليس موحد توحيد ربوبية أو العكس يقتضي وجود منزلة بين المنزلتين .
ونحنُ لا نعرف إلا موحد أو مشرك
ثم يا من قسمتم التوحيد ألى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات!
أليس التوحيد من أعظم المهمات التي بعث بها نبينا محمد وسائر الأنبياء؟؟؟
إذاً لماذا لم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام ( ايها الناس أعلموا أن التوحيد ينقسم إلى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات ) ؟
أنا أجيبكم على ذلك
لأنه سَرَابٌ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً
ثم هل ورد في حديث من الأحاديث أن الرجل إذا وضع في قبره يسألهُ الملكان ( هل كُنت موحد توحيد ألوهية أم كنت موحد توحيد ربوبية ؟)
ثم هل من قال فيهم سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: من الآية5)
( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )(البقرة: من الآية61)
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (آل عمران: من الآية4)
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (آل عمران:70)
)َضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) (آل عمران: من الآية112)
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ) (النساء: من الآية155)
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ)(لأنفال: من الآية52)
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (يونس:95)
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل:104)
(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم:10)
(كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (غافر:63)
(وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام: من الآية33)
والظالمين المراد به هنا هم الكافرين
فالخلق والإنعام والإيجاد والرزق ووو كلها من آيات الله , فوصف الله الكفار بأنهم جاحدون أي كافرون بآيات الله
( توحيد الربوبية على زعمكم )
فهل من يكفر بآيات الله يعترف بالله لا رب سواه؟ ؟
مالكم كيف تحكمون
ثم أين العقول يا أصحاب العقول؟
ما معنى كلمة ( موحد ) ؟ فهي في مفهومكم مُتجزئ إلى ثلاثة ؟؟
وكذلك نص جميع أهل التفسير بلا استثنا في التفاسير من أقوال الكفار هذا ابن الله شريك الله وغيرها.
فالمشركون كانوا يعبدون الآوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فوسيلة الشئ غيره.
ومما جاء على سبيل المثال في تفسير الطبري
عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله:
{ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى }
قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز.) لهـ
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
From : Mahfud